-A +A
عادل بترجي
ذكرت سابقا أن من الأهداف الرئيسة في استراتيجية التحول إلى المجتمع المعرفي، تنشئة جيل جديد من المواطنين، تقوده ثقافة المعرفة والتعلم، وفي هذا الصدد تدعو الاستراتيجية إلى رفع مستوى التعليم لجميع المراحل، بدءا من مرحلة ما قبل المدرسة إلى المرحلة الجامعية، والسؤال الذي يطرح نفسه: ما البرامج التي ترفع مستوى التعليم؟ ويلي ذلك سؤال آخر: كيف يمكن قياس مستوى التقدم في رفع مستوى التعليم؟
ليس من السهل الإجابة عن هذين السؤالين، ولقد أخذ النقاش في ورشة العمل من المختصين في لجنة التعليم جل ذلك اليوم؛ للتوصل إلى توصيات مناسبة في هذا الصدد. من أهم البرامج التي اتفق على أنها تساهم في رفع مستوى التعليم، إعادة تنظيم برامج تأهيل المعلمين في الجامعات والكليات التربوية، وذلك برفع مستويات القبول، وتطوير المناهج، ويأتي ذلك كون أن المتبع الآن ضمن سياسة القبول في الجامعات المحلية، هو توجيه المتقدمين من ذوي المعدلات المرتفعة إلى كليات الطب والهندسة، يلي ذلك كليات العلوم الطبيعية، والرياضيات، يتبعها كليات العلوم الإنسانية، ثم يأتي في ذيل القائمة كليات التربية والدراسات الإسلامية، وبذلك قل ما تجد، بل قد لا تجد أبدا صاحب معدل أكاديمي مرتفع يرغب في الانتماء إلى من هم في مؤخرة الركب. ولما كانت المناهج التي تدرس في كليات التربية هي كذلك تحتاج إلى نظر، في مدى ملاءمتها لمتطلبات التربية العصرية، بما في ذلك مهارات التفكير العليا، فإن خريجي كليات التربية الذين ينتهي بهم المطاف في الوظائف التربوية، غالبا ما يكونون ضعيفي التأهيل. وعلى ذلك، فإن تأهيل المعلم يجب أن يكون في اتجاهين، الأول: من خلال تدريب من هم على رأس العمل، وبذلك يتم تدريجيا رفع مستوى التعليم الذي أساسه المعلم المؤهل، والثاني: من خلال رفع معايير القبول في الجامعات؛ لتضاهي معايير الطب، والهندسة كون أن طبيب العقول، ليس بأقل أهمية من طبيب الأبدان أو المنشآت؛ بل في نظري أهم من كليهما، وبذلك يوقف مد كوادر قطاع التعليم بالمعلمين ضعيفي التأهيل.

من الخطوات المهمة في إعادة تأهيل المعلمين، إدخال وسائل التدريب الإلكتروني. من العوائق التي تجعل من إعادة تأهيل المعلمين مهمة صعبة، وذات تكاليف باهظة، الانتشار الجغرافي لهم في جميع ربوع المملكة، فلو أريد تنفيذ برنامج للتأهيل لمعلمي الرياضيات مثلا؛ فإن التوزيع الجغرافي لمعلمي الرياضيات يتطلب إقامة البرنامج في مراكز كثيرة على مستوى المحافظات في أقصى تقدير، الأمر الذي سوف يكلف الكثير، ولا يمكن أن يتم إلا في فترات الإجازات الصيفية وغيرها. البديل الثاني هو تنفيذ البرنامج مركزيا في مناطق المملكة الكبرى، مثل: مكة المكرمة، والوسطى، والشرقية، والذي لا يقل تكلفة، ولا صعوبة في الإجراءات عن البديل الأول، لذلك فإن إدخال وسائل التدريب الإلكتروني تعالج هاتين المشكلتين بطريقة جيدة، إذ تتيح للمتدرب أن يشارك في برنامج التأهيل خلال العام الدراسي، أو في العطلات، ومن مكان عمله وإقامته، وبإمكان المتدرب التدرج في فقرات البرنامج بحسب إمكانياته الشخصية.
وهنا يأتي دور القطاع الخاص في تنفيذ برامج التدريب، إذ بإمكان شركات التدريب المؤهلة تطوير البرامج المناسبة بحسب متطلبات وزارة التربية والتعليم وتوفيرها على مواقعها على الإنترنت للمشارك المعتمد من الوزارة. ولقد وفرت تقنية المعلومات التي تستخدم في التعلم عن بعد كما لا يحصى من هذه البرامج بحيث أصبحت المشاركة في متناول كل من يرغب في تطوير قدراته، وبهذا الأسلوب تنتقل مسؤولية تطوير قدرات المعلم من وزارة التربية إلى المعلم نفسه، فيتغير نمط التدريب من الرسمي إلى غير الرسمي مع وضع المحفزات الهامة. من المحفزات الهامة التي تساعد على نجاح البرنامج أن تكون ترقية المعلم مرتبطة بشرطين، الأول: إكماله لمستوى التأهيل المطلوب للدرجة التي يطمح إليها، والثاني: اجتيازه لاختبار المستوى لتلك الدرجة، وكلا الشرطين مرتبط بالآخر.
للموضوع بقية.